حوارات | "أصوات ثقافية: حوار مع الدكتور الصديق أبريك سليمان أبو دوارة، والأستاذة ساره الشريف"

  "أصوات ثقافية: حوار مع الدكتور الصديق أبريك سليمان أبو دوارة، والأستاذة ساره الشريف"

بأقلام الرجال والنساء: مجلة الليبي وتجربة التمكين الثقافي





أصوات ثقافية: من القلب الليبي إلى قلب القارئ 


في مشهد ثقافي يتنفس من نبض ليبيا المتعدد، ويعكس آمالًا واسعة تتجاوز الحدود الضيقة للواقع، أجرينا هذا الحوار مع صوتين من الأصوات البارزة في الساحة الثقافية والإعلامية الليبية: الدكتور الصديق أبريك سليمان أبو دوارة، رئيس تحرير مجلة الليبي، والأستاذة سارة الشريف، مديرة تحرير المجلة ذاتها.


لقاء لم يكن عاديًا، بل كان أقرب إلى رحلة بين رؤيتين متقاطعتين، كلاهما يؤمن أن الكلمة قادرة على إصلاح ما أفسدته السنوات، وأن ليبيا بحاجة ماسة لمنابر تعكس صورتها الحقيقية… الإنسان الليبي المبدع، المثقف، المحاور، الراسم للكلمة كما يخط بريشته الحلم.



---


الصديق أبو دوارة: المثقف الإنسان والمشروع الثقافي الهادئ


الدكتور الصديق، ابن المرج، وصوت البيضاء، تشعر وأنت تحاوره أنك أمام رجل تشرب من ينابيع المعرفة حتى ارتوى، لكنه ما يزال يبحث. يحمل شهادات من كليات الهندسة والزراعة والتاريخ والاقتصاد، لكنه اختار طريقًا آخر: طريق الصحافة الثقافية. بدأ خطواته سنة 1990 حين شارك في تأسيس أخبار الجبل، ليواصل من بعدها رحلة طويلة من الكتابة والبحث.


وحين جاءت فكرة مجلة الليبي، كانت بالنسبة له أكثر من مشروع صحفي، كانت نداءً داخليًا لتقديم صورة إيجابية عن المواطن الليبي، بعيدًا عن تلك القوالب النمطية. "الليبي هو المحاور والمثقف والرسام"، قالها لنا بعين يملؤها الإيمان بمشروعه. وهو لا يفرق بين رجل وامرأة في مساحة الإبداع: "نحن نترجم الواقع والخيال بحرية تامة".


أعماله الأدبية، من "المنساد" إلى "دكتاتورية الوجع"، تحكي الكثير عن رؤيته: أدب يخاطب الوجدان، ويغوص في الأسطورة كما في الواقع. وحتى في نقده للمشهد الأدبي المعاصر، لا يُخفي حزنه على عزوف بعض الشباب عن النصيحة، لكنه يصرّ على التشبث بقوة الكلمة كمصدر إلهام وأمل.


 




سارة الشريف: من الأرقام إلى القصيدة، من الحساب إلى الحبر


أما الأستاذة سارة الشريف، فقصتها لا تقل إلهامًا. حاصلة على ماجستير في المحاسبة من جامعة هدرزفيلد الإنجليزية، وعضو هيئة تدريس بكلية الاقتصاد – جامعة عمر المختار، لكنها وجدت في الأدب مساحة للروح، ومسارًا موازٍ للمنطق والأرقام.


تقول: "لم أكن أرى نفسي إعلامية، بل عاشقة للأدب، وقارئة متذوقة"، لكن القدر قادها إلى مشروع مجلة الليبي، حين كلفها الدكتور أبو دوارة بصفحة "جنة النص". ومن هناك، بدأت القصة. لم تلبث أن أصبحت مديرة تحرير المجلة التي "خطفت قلبها"، على حد تعبيرها.


سارة ليست فقط إداريّة، بل داعمة حقيقية للمواهب النسائية. ترى أن المرأة الليبية اليوم موجودة، قوية، شاعرة، كاتبة، مثقفة… وتصرّ على أن الليبي لا تميز بين قلم رجل أو امرأة، بل بين نصّ قوي وآخر ضعيف. تقولها بثقة: "نحن نبحث عن الكلمة. والمرأة المبدعة تصل بقوة كلمتها".


وحين سألناها عن التحديات في إدارة هذا المشروع الثقافي، أجابت ببساطة امرأة تعرف موقعها: "لم أواجه صعوبات، ربما كنت محظوظة، أو ربما لم أكن أراها أصلاً". كلماتها تفيض بالإيمان بدور المرأة في بناء مجتمع جديد، بعيد عن خطابات الكراهية والانقسام، مجتمع يصنع ثقافة السلام والوعي.



---


الكلمة بين الرجل والمرأة… لا تفاضل بل  تكامل


في حديثهما، يلتقي الدكتور الصديق وسارة الشريف عند نقطة جوهرية: أن الثقافة لا تكون إلا بتعدد أصواتها، وأن الأدب لا جنس له. هما نموذج لتكامل الأدوار لا تنازعها، وشراكة حقيقية لا تزييف فيها.


مجلة الليبي ليست فقط منصة، بل صرخة في وجه التهميش، محاولة لإعادة الثقة في قدرة الإنسان الليبي، امرأة ورجلًا، على الحلم، والكتابة، والإبداع.



---


وفي الختام...


بين تجربة الدكتور أبو دوارة التي تراكمت عبر عقود، وصوت الأستاذة سارة الشريف المتجدد بالشغف والوفاء للأدب، نكتشف أن الثقافة في ليبيا ليست بخير فقط، بل هي تنهض، وإن كانت خطواتها بطيئة، فهي ثابتة.


مجلة الليبي، بما تحمله من رؤى ومبادئ، تؤكد أن التمكين الثقافي لا يتحقق إلا إذا آمنّا جميعًا بدور الكلمة، وفتحنا الأبواب لكل قلم صادق، ولكل قلب يحب هذه الأرض.


فالمرأة، كما قالت الشريف، ليست بحاجة إلى من يفتح لها الطريق، لأنها صارت اليوم من ترسم الطريق.


وهكذا… يستمر النبض الليبي، بين "المنساد" و"جنة النص"، بين الرجل والمرأة، بين الواقع والحلم… والثقافة وحدها، تبقى الوطن الحقيقي.



تعليقات

المشاركات الشائعة