نساء رائدات | من الجبل الأخضر إلى العالم: حليمة الخزعلي... من نبتة الشيح تولد بارقة أمل طبي
من الجبل الأخضر إلى العالم: حليمة الخزعلي... من نبتة الشيح تولد بارقة أمل طبي
خاص نون | سارة عبدالله
في أحد أركان الجبل الأخضر، حيث تنمو الأعشاب البرية ويختبئ بين شقوق الصخور سرّ الطبيعة، كانت هناك شابة بعينين تلمعان بفضول العلم، وشغف لا يهدأ للبحث والاكتشاف... حليمة أكرم الخزعلي، ابنة الثمانية عشر ربيعًا، لم تكن مجرد طالبة، بل كانت مشروع عالِمة صغيرة قررت أن تترجم حبها للطب والأعشاب إلى اختراع قد يُحدث فرقًا.
الشيح... من الموروث إلى المختبر
لم تكن عشبة الشيح جديدة على حليمة، فقد عرفها الليبيون من زمن الجدّات، واستخدموها لعلاج الأوجاع، لكن حليمة لم تكتفِ بما يتناقله الناس، أرادت أن تسأل، أن تحلل، أن تفهم. ومن هنا، ولدت فكرتها: ماذا لو كان الشيح فعلاً كنزًا طبياً ينتظر من يُخرجه للنور؟
بدأت رحلتها من البوسنة والهرسك، حيث أنهت سنتي الثانوية في مدرسة Richmond Park Secondary School، وهناك انطلقت في مشروع بحثي استمر لخمسة أشهر متواصلة، تحت إشراف أستاذة الكيمياء "البروفيسور ساهير"، لتخرج في النهاية بمستخلص طبيعي يعمل كمُسكّن ومضاد حيوي لآلام الأسنان واللثة، وبدون أي مادة كيميائية.
ما بين أنابيب التجربة وقلبٍ يصرّ على الحلم
"كانت أصعب خطوة هي استخلاص الزيوت وقياس العينات بدقة، لكنني لم أفكر في التراجع"، تقول حليمة بابتسامة خفيفة، مشيرة إلى أن الرحلة لم تكن لتتم لولا دعم والديها، اللذين ساندوها ماديًا ومعنويًا.
رفضت تسجيل براءة الاختراع باسمها فورًا، فحليمة تؤمن أن ما بدأته الآن ما هو إلا بداية، وأنه بحاجة للتطوير والدراسة، لكنها رغم ذلك شاركت به في مسابقة Bosepo، لتحصد الميدالية الذهبية على مستوى البوسنة والهرسك، ثم تتوّج نجاحها عالميًا في تونس ضمن مسابقة IFEST، وتحصل على الميدالية البرونزية من بين 800 متسابق من 40 دولة.
من المختبر إلى العالم
حلمها ليس بجائزة ولا شهرة. "أريد تطوير منتج دوائي آمن، ونشره في العالم"، تقول بثقة، وهي تحلم أيضًا بابتكار علاج لأمراض مستعصية كمرض السرطان، عبر الأعشاب الطبيعية، وخاصة تلك التي تنمو في الجبل الأخضر الليبي، موطنها الأول.
وصية القلب: لا تتوقفوا عند حدود الخوف
لا تنسى حليمة أن توجّه رسالة لكل طالب وطالبة في ليبيا والعالم العربي: "ابدأوا... لا تستسلموا... ولا تستهينوا بالفكرة التي تولد في رؤوسكم، فهي إلهام من الله. ومن يسعى بصدق، يصل". تؤمن أن الخوف لا يجب أن يكون حاجزًا، بل بوابة عبور، وأن من يزرع النية الطيبة، يجني ما يتمناه وأكثر.
حليمة... اختراعها ليس فقط منتجًا طبيًا، بل حكاية إرادة
إن ما قدمته حليمة الخزعلي ليس فقط مستخلصًا طبيًا من عشبة تقليدية، بل هو مستخلص من إيمان وثقة وجرأة في الحلم. هي تمثّل جيلاً جديدًا يرفض أن يُحبس في قوالب التعليم الجاهزة، ويؤمن بأن المعرفة تبدأ من فضول بسيط، وتحلّق بالعلم حين يُقرن بالإرادة.
ومن هناك... من بين أوراق الشيح التي لطالما عبق بها الجبل الأخضر، أرسلت حليمة للعالم رسالة واضحة: الابتكار لا يحتاج لمعامل كبرى... بل لقلبٍ شغوف، وعقلٍ يسأل، وخطوة أولى تُتخذ بثقة.


تعليقات
إرسال تعليق